السبت، 9 أبريل 2011

مجرم سوريا بشار الأسد يوغل في دماء درعا ودماء السوريين


سلّطت كاميرات الفضائيات العربية والدولية على انتفاضات التونسيين والمصريين واليمنيين والليبين وغيرهم كثير، لكن هذه الكاميرات تغيب عن رصد الاجرام الذي يقوم به ابن الأسد ونظامه في سوريا. والقليل القليل من ما يتمكن شباب سوريا من بثه عبر الانترنت يظهر هبة أهل الشام المجيدة ضد الظلم والظلام الذي فرضه نظام حافظ أسد منذ عقود ولا يزال مستمراً بعد ورَث الحكم لابنه بشار. وهذا الغياب الاعلامي اللافت يحملنا على التفكير فيما يحدث في سوريا، وفي الدرجة العالية من الاجرام التي يوظفها النظام لمقاومة هذه الهبة المباركة لا سيما في درعا واللاذقية. ومن أجل الوصول الى شيء من الحقيقة لا بد من تسليط الضوء على الحقائق التالية: 




بادرت درعا الى اطلاق شرارة التغيير، وكان ما يصل منها قليلاً لكن دلالاته تفهم من بعيد، تلك الشرارة التي سرعان ما امتدت الى باقي المدن والأرياف السورية وإن كان زخمها لا يزال ينتظر دمشق. وليس غريباً على أهل درعا أن تكون المبادرة الصاخبة فيهم، غير متناسين المعتصمين الأولين الذين اعتصموا أمام وزارة الداخلية في دمشق في 15 نيسان 2011، لكن الزخم وجد صداه في درعا أولاً، وهي كمدينة سيدي بوزيد التونسية في مباردتها لاشعلال حرارة التغيير، وكالسويس في مصر، وتعز في اليمن، وبنغازي في ليبيا، فكلها مدن مشهود لها بزخم الدعوة الى التغيير. 


انطلقت شرارة الزخم من الجامع العمري في درعا، وبه كان الاعتصام الأول، ومن حوله كانت الأحداث التي سيكتب لها الفضل في انهاء مرحلة هي الأشد في تاريخ أهل الشام من حيث قسوة الحكام وعداوتهم لشعبهم رغم زيف ثوب الوطنية الذي ارتدوه عبر العقود الأربعة الماضية. من الجامع العمري، الى جامع الرفاعي في دمشق، الى مساجد اللاذقية، وجوامع حمص والقامشلي، ومساجد حماة الجريحة باجرام النظام الى كافة مساجد الجمعة في سوريا، فالجمعة هي الموعد، والجمعة هي اليوم الذي بات يفت من عضد النظام في سوريا، بل وفي غيره من بلاد العرب الثائرة. كل ذلك مؤشرات يفهمها القاصي والداني على هوية المنادين بالتغيير في سوريا وغير سوريا. ويكملها صيحات التكبير والتوحيد التي تصدح من حناجر المتظاهرين النطلقين من مساجد الجمعة في كل المدن. وهنا لا بد من كلمة ندفن بها عصر العلمانية، فالجمعة والجامع هي منطلق المظاهرات. والعلمانيون قابعون في بيوتهم وغير مشاركين في الأحداث وإن حاولت قنوات وفضائيات العصر البائد الاتصال بهم لاجترار آرائهم فيما يحصل واظهار مطالباتهم من الأنظمة، والسبب في ذلك بسيط، وهو أن العلمانيين في معظم البلدان العربية والاسلامية هم الآن من يقف داخل هذه الأنظمة وخلفها من أحزاب تصنف زوراً وبهتاناً في صف المعارضة، بعد أن جفت ينابيعهم وخفت ينعهم بسقوط الاشتراكية في روسيا وتهاوي الرأسمالية وترنحها أمام امتحانات حقوق الانسان في العراق وأفغانستان وأمام أزماتها المالية التي جففت جيوب مواطنيها لتصبها أنهاراً من المال بأيدي كبار الرأسماليين. 


إن النظام السوري قد استمرئ الكذب والدجل والاستخفاف بعقول السوريين والعرب ووضع نفسه في صف الممانعة والوطنية وهو بعيد عنهما كل البعد وإن استمر ذلك لأربعة عقود هي ملك الأسد الأب والابن. 
نادى نظام حافظ أسد بالتوازان العسكري مع "اسرائيل" على أثر هزائم 1967 واحتلال يهود لباقي فلسطين وسيناء والجولان السورية، وعمل على تجويع الشعب السوري من أجل التسليح، فاكتشف أبناء حماة مبكراً أن هذا السلاح لم يكن لحرب يهود، وإنما لحرب المسلمين وسفك دماء السوريين. وامتلأت سجون الأسد بعشرات الآلاف من السوريين ولم يفت من دمويته ومن سجونه الكثير من العرب الآخرين لا سيما الفلسطينيون واللبنانيون والأردنيون. وبلغت أعداد نزلاء سجون سفاح سوريا مائتي ألف خلال الثمانينات، وتفنن النظام في ابتداع أساليب تعذيب لم تعرفها البشرية من ذي قبل، كصب الباطون على أرجل السجين وتركه يتعفن حياً، وكم هي العائلات التي لا تزال تبكي أبنائها ولا تدري اأحياء هم أم أموات، بل لا يوجد من يعطي أي معلومة عنهم، وليس هناك من يراقب أو يعاقب هذا النظام المتوحش والذي أوغل ومنذ زمن بعيد في دماء السوريين. 


وزاد من صلف النظام المتوحش في سوريا أن نادى بالتوازن الاستراتيجي مع دولة يهود، وكان يقصد من وراء ذلك تحويل المسلمين في سوريا الى نمط الحياة اليهودي أو الغربي مقتفياً أثر هادم دولة الخلافة العثمانية مصطفى كمال، وكان يروج لهذه الفكرة ظاناً أن الناس منخدعون بوطنيته، وبجدية دفاعه عن فلسطين والجولان. وبلغ من ولعه بالتوازن الاستراتيجي أن أنزل قوات أخيه رفعت خلال الثمانينات في شوارع دمشق تنزع الحجاب عن المتحجبات في الشوارع، والمسلمات يصرخن في الشوارع من بشاعة أفعال الأسد وأخيه ونظامه، ورأوا فيه نظاماً طائفياً مقيتاً لفئة لا تمثل خمس سوريا بل ولا معشار خمسها. وبلغ من شمولية النظام أن تدخل في كل شاردة وواردة من حياة الناس، حتى إن أعلاف الدجاج كانت بيد وزير دفاعه، فكانت سوريا ولا تزال مزرعة للأسد ورثها عن أبيه لا ينتفع بها إلا من قرر الرئيس أن يعطيهم حصة من تعب السوريين وعرقهم، وغرقت البلاد في نظام من الرشى والمرتشين لم ينج منها أبسط أزلام النظام، فكانت نسخة البعث وصفحة الأسد هي النسخة الأكثر عفونة وازكاماً للأنوف من نسخ "اليسار" و"الاشتراكية". 
وتحت ظل مبررات الوجود رفع النظام شعارات القومية العربية، لكن النسخة البعثية السورية كانت هي الأقذر عربياً بين كافة النسخ القومية التي بناها الاستعمار لتكون سداً يمنع عودة الاسلام ويمنع إعادة بناء الدولة الاسلامية، وبلغ من نتن النسخة السورية أن حزب البعث القابع في دمشق قد أصبح عدواً لدوداً لحزب البعث القابع في بغداد، ناهيك عن الازاحة الصفرية في تحقيق أي وحدة عبر عقود. فصار واضحاً لكل ذي عينين أن حزب البعث بفرعيه لم يكن يريد أي وحدة، بل كرَس الفرقة العربية وزاد في اظهار الحدود الوطنية المانعة للوحدة. لكن النظام السوري ظل أتباه يتشدقون بالوحدة وحزبهم ورئيسهم منها براء.

برع النظام الحاكم في سوريا في ابتداع الاصطلاحات للرد على التحديات التي تفرضها دولة يهود على الأرض. فتحرير فلسطين وتحرير الجولان سيتم عندما يتحقق التوازن الاستراتيجي. وكان يخفي بعبائته الاشتراكية علاقاته الحميمة مع أمريكا وتبعيته لها حتى قررت أمريكا كشفه للعلن عندما طلبت منها أن يحارب معها ضد البعث العراقي على أثر دخول الجيش العراقي الى الكويت، وفعلاً لم يتمكن الأسد من التملص فأرسل ما يزيد عن مئة ألف جندي سوري لقتال العراق ودعم أمريكا، وكان ذلك على الرغم من أن الشعب السوري كان يساند العراق بكل أحاسيسه وقلبه ضد الهجمة الأمريكية، لكن ذلك الشعب لم يكن له حول ولا قوة لاحداث أي تغيير. كانت "اسرائيل" تستفز الأسد في مناسبات متكررة، فكانت تقصف في لبنان، وتضرب الجيش السوري في لبنان بشكل محدود للاستفزاز، وكان رد الأسد كلمات: سنرد في الوقت المناسب والزمان المناسب. أخرجت "اسرائيل" رجال منظمة التحرير من لبنان بالقوة، ونظام الأسد يتفرج رغم أن "اسرائيل" أجبرته على المشاركة في بعض المعارك، لا سيما معركة الطائرات الشهيرة فوق البقاع اللبناني سنة 1982. ولم يكن حينها النظام السوري مبادراً لأي فعل عسكري، بل كان يرد فقط على الهجمات بالدفاع ليس إلا. فلم تقم طائرات النظام السوري بقصف مواقع اليهود في فلسطين وهي قادرة على ذلك، ولم تنطلق صواريخه الى تلك المواقع، وهي تلك الصواريخ التي جاع لأجل شرائها الشعب السوري على أمل التحرير. 

استمرت "اسرائيل" في الاستفزاز، فقصفت مواقع قرب دمشق قالت انها لتدريب تنظيمات فلسطينية، ورد الأسد بأنه سيرد في المكان والزمان المناسبين، وبعدها خلال حرب 2006 الأخيرة ضاقت سماء لبنان ذرعاً بطائرات يهود وهم يقتلون المسلمين في جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، وكان حزب الله يترقب أن يتدخل الصديق العتيد، ولم يتدخل، فخلت السماء لليهود، ولولا شدة بأس المقاتلين على الأرض لتمكن اليهود من غعادة احتلال الأرض في لبنان. بل وقصفت "اسرائيل" خلال تلك الحرب سوريين على الحدود السورية اللبنانية ولم يتحرك الأسد الابن، كما لم يتحرك أبوه من قبل، وعادت اللازمة: سنرد في المكان المناسب والزمان المناسب. وبلغ من استهتار اليهود بنظام الأسد أن قصفت طائراتهم سوريا خلال 2009 ما قيل إنه مفاعل نووي في أقاصي شمال سوريا، وتفنن نظام الأسد بالقول: إن تلك الطائرات قد ألقت بحمولتها فوق سوريا، وكأنهم يتحدثون لأطفال بأن تلك الحمولة قد تكون حبات من الحلوى، حتى تبين فيما بعد حجم الدمار والقتلى الذي سببه القصف "الاسرائيلي" بتلك المنشأة في الشمال السوري. 
وأما وحدات الصواريخ في سوريا، فيعلم العارفون بالشأن السوري بأنها هي الأخرى ليست موجهةً لضرب اليهود، فقد تعمد نظام الأسد نصبها بالقرب من المطارات العسكرية وأعطى وحداتها الأوامر المشددة لقصف أي طائرة سورية تقلع دون إذن يجب أن يكون موجوداً لدى تلك الوحدات من الصواريخ، وكان ذلك مخافة أن يقصف طيار سوري قصر الأسد أو تدفعه الدماء التي تغلي في عروقه لقصف مواقع يهودية في فلسطين. 

هذا هو النظام السوري الذي يواجه اليوم درعا ويواجه اصراراً من الشعب السوري للتغيير. وبهذا فإن النظام قد اكمتمل بناءه على اساس عدائه لشعبه، وتوجسه منه، لا من اليهود أو من غيرهم. صحيح أن ضعف الأسد الابن قد أوجد مراكز قوى في النظام السوري قد لا تكون كاملة الانضباط مع الرئيس الجديد، ويظن أن بعض رجالاتها قد قاموا بتنفيذ اغتيال الحريري دون أن يكون لهم في الاستفادة من ذلك ناقة ولا جمل، إنما في لعبة العمالة والتبعية الدولية لخدمة دولة من دول الاستعمار ضد دولة أخرى، وحاول النظام اخفاء علاقته بذلك وقد هبت فرنسا وبريطانيا ضده في الحملة العالمية ضد "الارهاب" فقام النظام بالتخلص من الحلقة الأضعف سورياً في هذا الملف، فكان اعدام مدير استخباراته سابقاً في لبنان غازي كنعان في مكتبه في دمشق. 
وإذا ما كان يجري الآن في سورية، هو وحشية شديدة في مواجهة المعتصمين، لأن هذا هو التصرف المتوقع سلفاً من هكذا نظام قمعي تعسفي قد وضع نفسه في مصاف الأنظمة البوليسية الأشد وحشية في العالم فكان جزءً من بواقي أنظمة الظلام كوكوريا الشمالية وتونس-زين العابدين، وليبيا القذافي، بعد أن اهارت أنظمة القمع في أووربا الشرقية قبل عقدين. فقد بنا هذا النظام كيانه لخنق السوريين ومنعهم من أي شيء من المشاركة والحياة السياسية، والآن لا يتوقع منه إلا أن يطلق الرصاص ويقتل ويعتقل ويهين، لكن الجديد الذي يواجهه النظام هو الطرف الثاني من اللعبة. 


هذا الطرف هو الشعب السوري، فقد بلغت أفعال النظام مدى لا يمكن السكوت عنه مهما كلّلف ذلك من تضحيات. فالروح الثورية التي انطلقت من تونس وامتدت قد وصلت سوريا، فوجدت فيها شعباً قد أظهرت مدينة درعا وغيرها من مدن سوريا أنه لا يبالي بالتضحيات، فقد أزفت الآزفة على نظام يعد أيامه الأخيرة. وقد آن الأوان لشعب أبي قد ورد كثيراً في أحاديث المصطفى عليه السلام بأنه إذا عزّ عز المسلمون، وإذا كانت باقي أجزاء الشام ترزخ تحت نير اليهود ومكر الموارنة المدعومين من الأوروبيين، فإنه ورغم الغلال التي صفّد بها النظام العلوي أهل سوريا، إلا أن الوقت قد حان لكسر تلك الغلال، فتجاوز السوريون حاجز الخوف وكسروا تلك الغلال فانطلقوا نحو المجد يريدون "اسقاط النظام" وإن كانت بداية الشعارات المطالبة بالحريات والتكبير والتوحيد. 

فقد آن الأوان لأحفاد الأمويين أن يتحملوا مسؤولياتهم، آن الأوان ليري السوريون الله من أنفسهم خيراً بعد عقود من جعل سوريا زنزانة كبيرة على أيدي الأسد وأعوانه ونظامه. انطلق قطار التغيير في سورية دون رجعة، وها هي درعا وغير درعا لا تقبل بما يعلنه النظام من وعود قد أزكمت الأنوف من بعيد، بدراسة حالة الطوارئ، ودراسة الوضع، وتشكيل لجنة، ثم تشكيل لجنة، دون أن يعلم الناس من يدرس ماذا؟ ومن هم أعضاء تلك اللجان؟ ومتى سيصدرون حكمهم في الأحداث؟ وربما هم عرفوا مسبقاً بأن نتائج تلك الدراسات وتقارير تلك اللجان طبعاً غير المستقلة سيعلن عنها: في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، تلك العبارة التي لم يعد شعب سوريا يحتمل سماعها، وقد خرج للشوارع بعد أن تجاوز العتبة "المحرمة" وفق مفاهيم النظام المتعفن يريد تحقيق أكثر مما طالب به التونسيون والمصريون والليبيون واليمنيون من "اسقاط النظام"، بل بإذن الله تعالى سيكتب لسوريا وهي حاضرة الدولة الأموية بأن تكون حاضرة دولة الخلافة الثانية، فينطلق من سوريا نور كبير يضيئ الأرض بكاملها.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق